
ميشيل موسى سنداحة فارس مقدسيّ ترجّل بقلم قدس الإيكونومس قسطنطين قرمش
أثارت مذكّرات السّيّد ميشيل سنداحة عن قانون الدّفاع وسجن الدّامون ذكريات من شجون وأشجان وفخر واعتزاز وأمل وإصرار على الاستمرار حتى تحقيق أهداف أمّتنا العربيّة.
قانون الدّفاع لعام 1945، قانون فرصة الاستعمار البريطانيّ في فلسطين وشرق الأردنّ ومصر والسّودان والعراق والخليج العربيّ الذي قام السيد ميشيل بتقديم دراسة قانونيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة وافية عنه. وأكّد على عدم قانونيّته وأهليّته وذلك أيّام اعتقاله. ولكن هذا القانون انقلب من "حمل وديع" بالرّغم من كلّ سيّئاته إلى وحش كاسر في هذه الأيّام، إذ تقوم سلطات الاحتلال الصّهيونيّ بكلّ نشاطاتها الإرهابيّة في مجال العقوبات الجماعيّة من اعتقال وتشريد وهدم منازل وقتل ومصادرة، استنادا إلى هذا القانون... ولا سبيل إلى التّخلص منه إلا بالتّخلص من القوى التي تطبّقه.
ولا بدّ من تقديم الشّكر الجزيل للسّيّد ميشيل على هذه الوثيقة التّاريخية الهامة، وكذلك على الإهداء الذي ذكره ميشيل في مقدّمة الكتاب: إلى إخواني الذين كانوا معتقلين في سجن الدّامون والسّجون الأخرى في الأراضي المحتلة ولا يزالون يرزحون تحت أعباء الأحكام الطّويلة المجحفة... أقدّم هذا الكتاب.
المرحوم ميشيل: ولد في القدس عام 1933 ودرس في المدرسة الأسوجية ومدرسة المطران في القدس والفرندز في رام الله، وحصل على شهادة الثّانويّة ومترك لندن عام 1950، وعيّن معلّما للرّياضيات والعلوم في ثانويّة أريحا.
وعمل عام 1953 في السّعودية في شركة أرامكو مدّة سنتين، التحق بعدها بالجامعة اللّبنانيّة في بيروت وحصل على ليسانس الاقتصاد والعلوم السّياسيّة عام 1959 عاد بعدها إلى مسقط رأسه في القدس.
أسّس مكتبا لتدقيق الحسابات وعُيّن محاسبا لشركة الكهرباء في محافظة القدس ومراقبا ماليّا لحساباتها.
برزت مواهبه الأدبيّة والشّعريّة، ونشر نفحات أدبيّة في مجلة(المهد) وجريدة(فلسطين) ومجلة (الأديب) و(صوت البحرين) وجريدة(المساء) القاهرية و(الأفق الجديد) المقدسيّة. ونشر مجموعة من الشّعر المنثور وصورا وألوانا في بعض الصّحف والمجّلات التي تلمّس فيها أخطار الصّهيونيّة عن العالم العربيّ. وكانت له نشاطات في الحركة العماليّة العربيّة والتي بسببها وبسبب إصراره على رفض الاحتلال ومقاومته اعتقل إداريّا بتاريخ 9/ 6 / 1969 متهما بالتّحريض على الإضراب، ولم يخلص من هذا الاعتقال الإداريّ إلا بالإبعاد عن القدس إلى الأردنّ بتاريخ 6/ 4 / 1970.
وفي عمّان كرّس جهوده وتجاربه مع الرّفقاء المبعدين والمناضلين والمسجونين في الدّفاع عن القدس والمقدّسات من خلال المؤسّسات العاملة في الأردنّ كمنتدى بيت المقدس وجمعيّة يوم القدس وجمعيّة القدس الخيريّة والهيئات المقدسيّة، كمؤسس ونائب للرئيس. وأثبت من خلال هذه المؤسّسات وغيرها مقدرة وكفاءة وتصميم وحماس وعناد على تحرير القدس وفلسطين من براثن الاحتلال.
أمّا الصّفحة المشرقة الأخرى من حياة أبي موسى فهو انتماؤه انتماء حقيقيّا ومخلصا للكنيسة المشرقيّة المقدسيّة الأرثوذكسيّة ورفع مكانتها وإبراز هويّتها الوطنيّة، وذلك عن طريق جمعيّة الثّقافة والتّعليم الأرثوذكسيّة، الذي عرفته مدققا مجانيّا لحساباتها ثم عضوا إداريّا ونائبا للرّئيس ورئيسا لدورتين، وكان يداوم في مكاتب إدارة الجمعيّة ويتابع جميع أعمالها وأقسامها ويشرف على نشاطاتها ويعالج مشاكلها ويحرّر نشرتها(رسالة المحبّة) ويكتب في افتتاحيتها، وله بصمات تفخر بها المدرسة الوطنيّة الأرثوذكسيّة تسجّل له بمداد من الذّهب في تاريخها.
وشارك في المؤتمرات واللّقاءات والنّشاطات والاجتماعات المحليّة والإقليميّة والدّولية التي انعقدت من أجل تفعيل وتنفيذ القوانين الكنائسيّة وحقوق الرّعايا والدّفاع عن حقوق الطّائفة الأرثوذكسيّة في الأراضي المقدّسة وعدم التّفريط في أملاكها.
وفي كلّ هذ المحطّات من حياته يصدق فيه قول بولس الرّسول:" جاهدت الجهاد الحسن أكملت السّعي، حفظت الإيمان، لهذا فقد أعدّ لك إكليل البرّ يوم استعلان دينونة الله العادلة؛ لأنّك تاجرت في وزناتك وكنت أمينا في القليل فسأقيمك على الكثير ادخل إلى فرح ربّك."
وأنت أيّها الزّوجة نينا والأنجال والبنات الأعزّاء وعموم العائلة، نقول باسم الكنيسة والمطران فيندكتوس والمجتمع الأردنيّ والمقدسيّ نقول بمقدار محبة وألفة الزّوجين يكون الألم والحزن لفراق أحدهما. وكيف تنقطع علاقة مقدّسة كهذه دون أن يتقد القلب بنار الأسى، ومن يقطع عضو من جسده ولا يتألم. فكيف إذا كان أبا موسى قد زرع زرعا وفيرا من المحبة والإيمان الفضائل وأعمال البرّ والإحسان للجائع والعطشان والمريض واللاجئ والمسجون والمتألم والمحتاج والمشرد، فسيرته العطرة تعزية وبركة "وبصبركم تقتنون نفوسكم".