
ميشيل سنداحة في قلوب محبّيه:
المناضل الدّكتور صبحي غوشة( رفيق درب المرحوم أبي موسى) في تقديمه لكتاب مذكّرات ميشيل سنداحة في معتقل الدّامون قرب حيفا يقول:
لقد ارتحل المرحوم ميشيل سنداحه بعد مشوار طويل في العمل القوميّ النّضاليّ والنّقابيّ والاجتماعيّ، والثّقافيّ، والإنسانيّ، والأدبيّ.
بدأ رحلته في مسقط رأسه القدس في العمل القوميّ في حركة القوميّين العرب والعمل النّقابيّ في شركة كهرباء القدس حيث كان له صولات وجولات في الدّفاع عن حقوق الموظّفين والعمّال وفي توسيع نشاطات شركة الكهرباء، وهناك أحداث كثيرة أثبتت صموده ووفاءه لمبادئه ولمطالبه الحقّة مما اضطر المسؤولين إلى التّراجع.
وكان نشاطه النّقابيّ وفيما بعد السّياسيّ في مقاومة الاحتلال سببًا في اعتقاله اعتقالا إداريًّا لمدة 11 شهرًا، ثمّ إبعاده عن مدينته القدس في 6/4/1970، وقد سجّل معاناته ومعاناة أبناء فلسطين في كتابه القيّم "في معتقل" الذي صدر في عمّان في العام 2003.
انتقل إلى عمّان ونذر نفسه لمقاومة الاحتلال معزّزًا الأمل بالتّحرير من خلال العمل مع باقي المبعدين من القدس وفلسطين، ومنهم المرحوم روحي الخطيب والمرحوم الشّيخ عبد الحميد السائح، والدّكتور وليد القمحاوي، وعبد المحسن أبو ميزر، والمرحوم الدّكتور نبيه معمر وغيرهم الكثيرون. وقد مارس هذا التّجمع نشاطًا سياسيًّا واجتماعيًّا ونضاليًّا للدّفاع عن القدس بشكل خاصّ والقضية الفلسطينيّة بشكل عام، ولم يدَّخر جهدًا لدعم القدس حيث الحاجة الماسة والدّائمة لذلك.
ولم يبخل هذا الفارس في النّضال بفكره وقلمه انتصارًا لعدالة القضيّة الفلسطينيّة من خلال مساهمته مع المرحوم روحي الخطيب في تأسيس مجلّة القدس الشّريف، وتحرير العديد من المقالات حول القدس (1985– 1992) وقضية تعريب الكنيسة الأرثوذكسيّة المقدسيّة وإبراز المعالم المسيحيّة والتّراثيّة العربيّة في القدس، إضافة إلى عمله المهنيّ.
كما شارك في تأسيس جمعيّة القدس الخيريّة مع عدد من أبناء القدس، ومنهم علاء الدين النمّري، وعاصم غوشة، وعدلي المهتدي، وغيرهم حيث قدّموا خدماتهم الكثيرة عبر مدرستين ابتدائيتين ومستوصف خيريّ واستمرّ عملهم لمدة طويلة.
وفي أوائل عام 1991 وصل إلى عمّان من الكويت رفيق دربه الدّكتور صبحي غوشة الذي شاركه في تأسيس لجنة يوم القدس التي كان لها نشاط مرموق في الكويت، وتحدّدت أهدافها في خدمة القدس، سياسيًّا وإعلاميًّا واجتماعيًّا ونضاليًّا وماديًّا، واستمرّ في عضويتها حتى حصلت على ترخيص بإعلانها جمعيّة مستقلة باسم جمعيّة يوم القدس التي لا زالت تعمل حتى الآن.
وقد شارك في عضويّة الهيئة التّأسيسيّة للجنة يوم القدس كلّ من الدكتور صبحي غوشة، ميشيل سنداحة، د. كامل العسلي، د. صالح حمارنة، د. صلاح البحيري، مازن النشاشيبي، هشام الغصين، عدلي المهتدي، موسى شحادة، د. أمين أبو الليل، ضياء الدين الإمام، وآخرون.
وقد ارتبط أعضاء هذه اللّجنة برباط صداقة ومحبّة وتعاون، واستمرّت بينهم طوال مراحل عمل لجنة يوم القدس، وغيرها من المؤسّسات الدّاعمة لحقوق الشّعب الفلسطينيّ.
كان المرحوم من أوائل أعضاء منتدى بيت المقدس، حيث شارك في عضوية هيئاتها الإداريّة المتعدّدة، وكان قبل وفاته نائبًا للرئيس.
وقد كان للمرحوم نشاط ملموس في الجمعيات الأرثوذكسيّة المتعدّدة، حيث كان عضوًا في المجلس المركزيّ الأرثوذكسيّ بالأردنّ وفلسطين وفي جمعيّة الثّقافة والتّعليم الأرثوذكسيّة، حيث تولى رئاستها قبل تشكيل اللّجنة الإداريّة الحالية، وتولى رئاسة تحرير رسالة المحبّة الصّادرة عن الجمعيّة لمدة اثني عشر عامًا.
لم تعق هذه النّشاطات ميشيل سنداحة عن العمل في المجالات كافة، حيث ساهم في تشكيل جمعيّة حماية القدس منذ عام 1996 وكان من أعضائها المؤسسين. وكان من أهمّ أهداف هذه الجمعيّة الجديدة الإسهام في إعمار منازل القدس، إضافة إلى خدماتها الاجتماعيّة والسّياسيّة والنّضاليّة والماديّة في المدينة المقدّسة.
وعلى أثر وفاة المرحوم روحي الخطيب الذي كان مسؤولا عن رابطة المناضل الجريح التي تأسّست في القدس عام 1948 لرعاية جرحى حرب 1948 التي كانت تقدّم لهم مساعدة ماليّة رمزيّة تقديرًا لتضحياتهم في الدّفاع عن فلسطين، تمّ تشكيل هيئة إداريّة مشتركة لأعضاء من عمّان والقدس وتم انتخاب ميشيل سنداحه نائبًا لأمين الصّندوق في عمان، وقد استمرّ في عمله مع رئيس الرّابطة الجديد د. صبحي غوشة بتقديم المساعدات السّنويّة لأعداد كبيرة.
وانطلاقًا من توصية اتّخذتها ندوة يوم القدس بإنشاء جمعيّة نسائيّة متخصّصة للعمل من أجل القدس ساهم الرّاحل الكبير مع د. صبحي غوشة وعدد من السّيّدات الفاضلات بإنشاء "جمعيّة نساء من أجل القدس"، وتقديرًا لمساهمتهم في تأسيس الجمعية تمّ اعتبارهم مستشارين للجمعيّة.
لقد آمن هذا الفارس بأنّ على الأجيال الحالية أن تنقل الشّعلة والأمل إلى الأجيال الصّاعدة، فبالإضافة إلى رئاسته لجمعيّة الثّقافة والتّعليم الأرثوذكسيّة التي ترعى المدارس الوطنيّة الأرثوذكسيّة وإشرافه على الطّلبة، كان شديد الحماس لإقامة المسابقات الثّقافيّة والأدبيّة والفنيّة والتّراثيّة بين عدد من المدارس الخاصّة، وقد شارك في الإشراف على المسابقات وتوزيع الشّهادات والميداليّات والجوائز على الفائزين والمشاركين في هذه المسابقات لمدة تزيد على 15 عامًا؛ مما أنشأ علاقة متينة بينه وبين الأساتذة والطّلاب، وبالإضافة إلى هذه النّشاطات ساهم هذا الفارس في المناسبات الوطنيّة المتعددة التي كانت تقيمها الجمعيّة وفي تجمع الهيئات المقدسيّة، حيث كانت له مواقف وطنيّة تستند إلى دراسة الواقع وما هو مطلوب في المراحل المقبلة.
وفي السّنة الأخيرة من حياته الحافلة بالعطاء كان نائبًا لرئيس جمعيّة يوم القدس التي أقامت العديد من الأنشطة الثّقافيّة والأدبيّة دعمًا لقضية القدس، وكان من أشدّ المتحمّسين لإقامة مسابقة " القدس في وعي الأجيال الصّاعدة" في الرّسم والقصّة القصيرة للشّباب في الوطن العربيّ وفي المهجر؛ لأنّه كان مؤمنًا أشدّ الإيمان بوجود الأمّة العربيّة وضرورة حثّ الشّباب على الاهتمام بالقدس وتحفيزهم للعمل من أجل تحريرها، حيث كان من أكثر المؤمنين بحتمية الانتصار والتّحرير.
هذا غيض من فيض سيرة رجل حمل قضية القدس، قضية العيش الإسلاميّ المسيحيّ المشترك، وقضيّة تعريب الكنيسة الأرثوذكسيّة في قلبه ووجدانه وعلى كتفيه، وبقى يعمل من أجل تحقيقها حتى آخر لحظة من حياته.
رحمه الله وسوف تبقى بصماته في العمل المقدسيّ إلى الأبد.