ميشيل سنداحة لم يمت بقلم الدكتور يوسف مسنات

لم يمت ميشيل سنداحة ولن يموت، فهو ما زال وسيبقى مقيما بفكره النيّر وعمل الخير في ضمائر الوطنييّن الصّادقين الأحرار الذين يؤمنون بحقّ الإنسان في الحريّة والكرامة.

لقد كان أبو موسى بحقّ سنديانة الأرثوذكسيّة في نضاله في تثبيت حقوق الرّب في إدارة شؤون كنيستهم الأرثوذكسيّة، وفي تعليم وتثقيف أبناء الطّائفة الأرثوذكسيّة في كلّ ما يتّصل بعقيدتهم الأرثوذكسيّة والمحافظة على حقوق الرّعية والمقدّسات والأوقاف العربيّة والأرثوذكسيّة في الدّيار المقدّسة.

ولقد كان أيضا سنديانة النّضال في الدّفاع عن هويّة القدس، وتاريخها، وتراثها ومقدّساتها.

لقد كان أبو موسى كبيرا بلا كبرياء ومتواضعا بلا ضعة وصريحا بلا مواربة أو تزلف وكريما بلا إسراف ومقسطا بلا تقدير.

في حفلات التّخريج كان يجسّد الأبوة الحانية، فكان يحتضن الصّغار والكبار كأنّهم أبناؤه، وكان يوجّه تحيّة التّقدير والاحترام للأبناء والأمّهات والأجداد والجدّات؛ إذ كان يعتبر الطّلبة الخريجين ثمار الجهود الخيّرة للآباء والأجداد على حدّ سواء.

سكنت المحبّة في قلب أبي موسى ووجدانه رغم قسوة الاحتلال وسني المعاناة داخل السّجون وخارجها. كان كارها للجهل لا للجاهل، للظّلم لا للظّالم، للسّرقة لا للسّارق، وكان مؤمنا بحقّ الإنسان، مهما كانت هويّته أو عقيدته في أن يتعلّم وأن يتمتّع بحقوقه الإنسانيّة كاملة وأن يحيا بكرامة.

كان أبو موسى رحيما على الضّعفاء، شفوقا على المساكين، كريما على المحتاجين، مقدّرا للمخلصين، محفّزا للمتفوقين، وفيّا ومخلصا لجميع العاملين معه. أبو موسى في الملكوت السّماوي حيّ لا يموت، فالسّيّد المسيح له كلّ المجد قال:" إنّ من علّم يدعى صغيرا في ملكوت السّماوات، أمّا من علّم وعمل فهذا يدعى كبيرا في ملكوت السّماوات". وأبو موسى علّم وعمل، فمن خلال جهوده في جمعيّة الثّقافة والتّعليم الأرثوذكسيّة عمل على ابتعاث الطّلبة لدراسة اللاهوت في جامعات البلمند وأثينا وتسالونيك، وعلى إعفاء أبناء الكهنة من الرّسوم الدّراسيّة وعلى مساعدة العائلات الفقيرة من خلال الإعفاء الكامل أو الجزئيّ لاقساط أبنائهم وتقديم المساعدات العينيّة لهم، ومن خلال التّثقيف الدّينيّ لأبناء الرعية في مدارس الأحد.

ولقد كان أبو موسى وطنيّا بحّق وكان حريصا على تأكيد الهوية الوطنية لمدرستنا الوطنيّة الأرثوذكسيّة، فكان يشمل برعايته جميع الطّلبة، دون النّظر إلى هويّتهم الدّينية أو الطّائفيّة، فالحوافز تقدّم لجميع الطّلبة المتفوقين، والإعفاءات لجميع المحتاجين، والتّرقيات لجميع المتميّزين من أعضاء الهيئات التّدريسيّة والعاملين.

لقد ارتقى أبو موسى درجات سلّم المحبّة من دنيانا الفانية إلى السّماء الخالدة، فهنيئا له إقامته مع الأبرار والصّالحين في الملكوت السّماويّ.

أبو موسى ليس شهابا يسطع ويختفي أو نيزكا يضيء وينطفئ، بل هو نجم ساطع في سماء الوطنيّة العروبيّة الأصيلة يهتدي بأنوار ثقافته النّضاليّة جميع المناضلين الشّرفاء المدافعين عن العروبة وحقوق شعب فلسطين والمقدّسات في قدسنا الغالية.

ميشيل سنداحة في قلوب محبّيه: